يُقبل نقل أهل الأهواء؛ لأنه إذا رُدَّت رواية الفاسق لفسقه، فلأن لا تُقبل رواية المبتدع لبدعته كان ذلك أولى" انتهى.
وفي هذا الكلام إشارة إلى أن فريقًا من العلماء لم يَقبل رواية أهل الأهواء والبدع؛ حملًا على رواية الفاسق التي ذكر الأنباري أنه لا يجوز قبولها، بل يجب ردُّها، ولم يرتضِ الأنباري هذا القول، فوصفه في بداية كلامه بأنه زعم، ثم وصفه بأنه ليس بصحيح. وفرق الأنباري بين الفاسق وصاحب البدع؛ فالفاسق قد يدفعه فسقه إلى الكذب، أما المبتدع فلا تحمله بدعته على الكذب؛ فصحَّ عنده أن يقبل نقل المبتدع دون نقل الفاسق، وأما المبتدع فما ارتكب محذور دينه مع العلم بالتحريم، وليست بدعته حاملة له على الكذب؛ فوجب أن يقبل" انتهى.
ونلحظ فيما ذكره الأنباري في هذه النقطة أن المعيار عنده هو التزام الصدق، فمن ظهرت صدقه قُبلت روايته، وإن كان من أهل الأهواء، ومن تدين بالكذب لم تُقبل روايته.
والنقطة الثالثة: في حكم قبول المرسل والمجهول:
وقد عقد الأنباري الفصل الثامن من كتابه (لمع الأدلة) في قبول المرسل والمجهول، وعرف المرسل: بأنه هو الذي انقطع سنده نحو: أن يروي أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد المولود سنة ثلاثة وعشرين ومائتين من الهجرة، والمتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين عن أبي زيد الأنصاري المولود سنة تسع عشرة ومائة من الهجرة، والمتوفى سنة خمس عشرة ومائتين، فابن دريد لم يدرك أبا زيد، فبينهما راوٍ أو أكثر، وهذا هو المراد من انقطاع السند؛ فالانقطاع يعني: عدم الاتصال بين الراوي والمروي عنه.