أما الحد السادس للنحو فأورده السيوطي نقلًا عن الإمام أبي بكر محمد بن الثري البغدادي المعروف بابن السراج المتوفى سنة ثلاثمائة وستة عشرة من الهجرة قال في كتابه المسمى بـ (الأصول في النحو): "النحو علم استخرجه المتقدمون من استقراء كلام العرب" وقد قيل: إن هذا التعريف تقريبي؛ لأنه يصدق على علوم الأدب كلها، فإن هذا شأن كل منها، ولم يشر السيوطي إلى فائدة علم النحو كما أشار إلى فائدة علم أصول النحو؛ لأن كتابه (الاقتراح) ليس موضوعه النحو، وإنما موضوعه أصول النحو.
كما أن الحديث عن فائدة علم النحو حديث يحتاج إلى الإسهاب والإطناب، ولا تغني فيه الإشارة عن المقالة، ولكن الأمر كما يقول المثل العربي: حسبك من القلالة من أحاط بالعنق. ويكفي أن نطلع على ما ذكره المؤرخون لنشأة علوم اللغة العربية، وفي مقدمتها علم النحو، وكيف كانت الملكة اللسانية عند العرب من أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد والقدرة على الوصول إلى أجلّ المعاني، وأكثرها بأوجز الألفاظ وأقلها، وهذا هو معنى قول الرسول الكريم -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الأطهار-: ((أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارًا))، ولكن لما اختلط العرب بالعجم، تغيَّرت تلك الملكة بما ألقى إليها السمع من المخالفات التي للمستعربين، والسمع أبو الملكات اللسانية -كما قال ابن خلدون- ففسد بما ألقي إليها مما يُغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع، وخشي العلماء أن تفسد تلك الملكة رأسًا، ويطول العهد بها فينغلق فهم الكتاب والسنة، ولا يسلما من عادية اللحن والتحريف، وهما موئل الدين وذخيرة المسلمين فبادر الغيور على دين الله إلى تأليف تلك القواعد والقوانين في ضوء أدلة علم أصول النحو، واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو.