أحدهما: أن بيان ما يُستخرج منه النحو ليس بيانًا لحقيقة النحو.
والآخر: أن كلامه يقتضي أن المقاييس شيء غير النحو مع أن علم مقاييس كلام العرب هو النحو.
وقد رُدَّ عليه بأن قول ابن عصفور: "علم يستخرج بالمقاييس ... " إلى آخره مراده به إدراك حاصل من القواعد الحاصلة من المقاييس المستنبطة من الاستقراء، أي: من تتبع كلام العرب، وهو تبيينٌ لحقيقة النحو، لا تبيين لما منه استخراجه، ويُعلم بهذا أن علم مقاييس كلام العرب هو النحو، فيسقط النقد بوجهيه.
أما الحد الخامس للنحو فقد نقله السيوطي عن صاحب كتاب (البديع)، وهو محمد بن مسعود الغزني المتوفى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة من الهجرة، قال: "النحو صناعة علمية يُعرف بها أحوال كلام العربي من جهة ما يصح ويفسد في التأليف؛ ليعرف الصحيح من الفاسد وبهذا يعلم أن المراد بالعلم المصدر به حدود العلوم الصناعة، ويندفع الإيراد الأخير على كلام ابن عصفور" انتهى.
وبهذا الحد يتفق صاحب (البديع) مع صاحب (المستوفى) فقد عرف كلاهما النحو بأنه صناعة نحوية، أي: ملكة حاصلة بالتمرّن والدُّربة، وأشار صاحب (البديع) إلى أنه بتعريف النحو بأنه صناعة نحوية يندفع ما أورد على تعريف ابن عصفور السابق الذي لم يشر في صدارته إلى أن النحو صناعة، من أنه يقتضي فقد العلم عند فقد العالم بما ذكر، وليس كذلك لثبوته؛ لأنه قواعد مقررة، وأقيسة محررة سواء وجد العالم بها أم لم يوجد. كما أشار إلى ذلك السيوطي عند تعريفه أصول النحو.