لأنه لو أُخذ بهذا الاحتمال لأدَّى ذلك إلى ألا تطيب نفس بلغة من اللغات، وإلى الإعراض عن كل واحد من العرب الفصحاء، ولا يخفى ما في ذلك من الخطأ وفساد الرأي.
نشير إلى أن جُلَّ العنوانات في كتاب (الاقتراح) إنما هي من صنع محققه الدكتور أحمد محمد قاسم -طيب الله ثراه- يشهد بذلك خلوُّ شروح (الكتاب) من العنوانات، وخلو الطبعات الأخرى منها، ولكن عنوان: تداخل اللغات، لم يكن من صنع المحقق، وإنما كان من صنع المؤلف -رحمه الله رحمة واسعة- وقد وضع العنوان نفسه في كتابه (المزهر) النوع السابع عشر، وهو معرفة تداخل اللغات، ونقل في الكتابين عن كتاب (الخصائص) لابن جني، ولكنه غير العنوان؛ لأن ابن جني قد عبَّر عن هذا الفرع بقوله في (الخصائص): "باب في الفصيح يجتمع في كلامه لغتان فصاعدًا".
وقد ذكر الشراح (الاقتراح) أن العنوان الذي اختاره ابن جني أولى من العنوان الذي ذكره السيوطي؛ لأن تداخل اللغات يعني: دخول بعضها في بعض، والمقصود به عند أهل العربية أن تتكلَّم بلغة مركبة من لغتين، كأن يقال: رَكن يركن بالفتح في الماضي والمضارع، وهذا شيء لا يُعرف؛ إذ إن فتح العين في الماضي والمضارع لا يكون إلا إذا كانت العين أو اللام من أحرف الحلق، وهي الهمز والهاء والعين والحاء والغين والخاء، نحو: فتح يفتح، وبدأ يبدأ، ونهى ينهى، ونأى ينأى إلى آخره، فإن لم تكن العين أو اللام من أحرف الحلق؛ لم يُعرف في كلام العرب فتح العين في الماضي والمضارع إلا في لفظة واحدة، وهي: