الحالة الأولى: أن تكون اللغة التي انتقل إليها لسانه قد سلمت من اللحن، وبرئت من الاختلال والفساد، فكأنه انتقل من لغة فصيحة إلى لغة أخرى فصيحة، وقد بيَّن ابن جني حكم هذه الحالة بقوله "فإن كان إنما انتقل من لغته إلى لغة أخرى مثلها فصيحة؛ وجب أن يُؤخذ بلغته التي انتقل إليها، كما يُؤخذ بها قبل انتقاله إليها، حتى كأنه إنما حضر غائب من أهل اللغة التي صار إليها، أو نطق ساكت من أهلها". انتهى.
ومعنى ما قاله ابن جني: أنه إذا كانت اللغة التي انتقل إليها لسان العربي الفصيح لغة فصيحة يُؤخذ بها، ويحتجُّ بها، بأن كانت منقولة عن إحدى القبائل التي يحتجُّ بكلامها في العربية، إذَا كان الأمر كذلك؛ فإنه لا يضيرها أن يكون المتكلم بها من أهلها، أو لا. ونلحظ في كلام ابن جني قوله: "وجب أن يؤخذ بلغته التي انتقل إليها" فوصف اللغة التي انتقل إليها لسان العربي الفصيح بأنها لغته، فكأنه أحد أبنائها وقد كان غائبًا فحضر، أو كان ساكتًا فنطق بها، ومن تكلم لغة قوم فهو منهم.
والحالة الثانية: أن تكون اللغة التي انتقل إليها لسان العربي الفصيح غير فصيحة، والحكم حينئذٍ ألَّا يؤخذ بكلامه وألا يُعتبر به وألا يلتفت إليه، وإنما يُؤخذ بلغته الأولى التي انتقل عنها واشتهر بالفصاحة فيها. يقول ابن جني -رحمه الله تعالى-: "فإن كانت اللغة التي انتقل لسانه إليها فاسدة لم يُؤخذ بها، ويؤخذ بالأولى حتى كأنه لم يزل من أهلها". انتهى.
وفي كلام ابن جني ما يدلّ على أن لغة العربي الفصيح قد يدخلها شيء من الفساد، أو يتسرَّب إليها لحن أو خطأ، ولكن هذا الاحتمال لا يجوز أن يكون حائلًا يحول دون الأخذ عن الفصحاء، أو سببًا يؤدِّي إلى التشكيك فيما يقولونه؛