ومنها: ما روي في لحن في الصدر الأول؛ إذ وقع اللحن أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أرشدوا أخاكم، فقد ضل))، كما وقع اللحن في عهد عمر -رضي الله عنه- فقد رَوَوا أن أحد ولاته كتب إليه كتابًا لَحَنَ فيه، فكتب إليه عمر: "أن قنّع كاتبك صوتًا". وروي أن مقرئًا أقرأ أعرابيًّا قوله تعالى: "أن الله بريء من المشركين الله ورسولِه" (التوبة: 3) بكسر اللام فقال الأعرابي: برئت من رسول الله، فأنكر ذلك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه، وصحة قراءة الآية: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (التوبة: 3) برفع لفظ "رسوله" وإعرابها في المشهور أن رسوله بالرفع مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: ورسوله بريء كذلك، أو أنه معطوف على الضمير المرفوع في الصفة المشبهة الواقعة خبرًا لـ"أن"، وهو لفظ: {بَرِيءٌ}.

وإذا كان اللحن قد عُرف من قديم فإنه ينبغي أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد، إلا أن تقوى لغته، وتشيع فصاحته، ويُعرف بجودة لسانه وسلامة سليقته، وقد قال الفراء في بعض كلامه: "إلا أن تسمع شيئًا من بدوي فصيح فتقوله".

العربي الفصيح ينتقل لسانه

استمدَّ السيوطي هذا الفرع من كتاب (الخصائص) لابن جني إلا أنه قد ترك من كلام ابن جني أمورًا لا بد من ذكرها لإكمال النفع، وإتمام الفائدة، وقد أفرد ابن جني بابًا عنوانه: "في العربي الفصيح ينتقل اللسان"، والمراد بالعربي هنا: مَن تؤخذ عنه اللغة، ويُحتجّ بكلامه في العربية، ولذلك قيَّده ابن جني بقوله: "في العربي الفصيح"، والمراد بانتقال لسانه: أن يفارق لغته المعروفة له التي نشأ عليها؛ ليتكلم بغيرها، ولا تخلو اللغة التي انتقل إليها لسانه من إحدى حالتين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015