وقد بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصناف مَن تلقّى العلٍْم ونَشَره بين الناس، ومن أفاد غيرَه ولم يستفِدْ بالعلْم ولم يُفد غيره؛ فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مثَل ما بعثني الله به من الهدى والعلْم كمَثَل غيثٍ أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيِّبة قبِلت الماء فأنبتَتِ الكلأ والعشبَ الكثير. وكان منها أجادب -أي: أرض لا تكاد تخصب- أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقَوْا وزرعوا. وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماءً ولا تنبت كلأ. فذلك مَثَل مَن فقُه في دين الله ونفَعه ما بعثني الله به فعَلم وعلّم، ومَثَل مَن لم يرفَعْ بذلك رأساً، ولم يَقبلْ هدى الله الذي أُرسِلْتُ به))، متفق عليه.
ممّا سبق، تتّضح مدى أهَمِّيّة الثقافة للدّاعية، وأنها مِن صُلب تكوينه وأهمّ وسائل نجاح دعْوته.
فالثقافة في المفهوم المعاصر ُتطلَق على كلّ معرفة -عمليّة كانت أم نظرية- تقوم على التّجربة أو الفكْر وتهدف إلى رقيّ الإنسان وتقدّمه في أساليب الحياة العمليّة، أو في تقديم تصوّر حقيقي لأمور الكون النظرية، أو في تقويم سلوكه وتهذيب نفسه؛ فهي الوعاء والغاية لكلّ نشاط بشريّ يتمّ في المجتمع الإنساني. والمثقَّف هو الذي حصل على قدْر كاف من مُختلف علوم ومعارف عصره.
والدّاعي إلى الله هو أوْلى الناس باتّساع الفكر وكثرة الثقافة، ويجب عليه أن يجدّد فكْره ويزيد من معلوماته، وأن يُكثر من اطّلاعاته وقراءاته ليكون محلّ ثقة مَن يستمعون إليه ومحطّ احترامهم، لأنه يحمل بين حنايا نفسه وخلجات قلبه وخلايا عقله أعظمَ رسالة وأشرف أمانة؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.