أعْلم؟ قال: أنا. فعَتَب الله عليه أنه لم يَرُدّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبْداً بمجمَع البحريْن هو أعْلَم منك. قال موسى: يا ربّ، وكيف لي به؟)) الحديث.
فهذا إشارة على العالِم أن لا يغترّ بما عنده من علوم، وأن لا يزهو ويفتخر بما لديه من معارف.
ثانياً: مشروعيّة الرحلة في طلَب العلْم، والعزم والإصرار على تحصيله، وتكبّد المشاقّ والصعاب في سبيله، وأن يظلّ الإنسان طول عمره يتزوّد بالثقافة؛ يُؤخذ هذا من قول موسى: {لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً}، وقوله لغلامه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً}.
ثالثاً: على طالب العلْم أن يُدقِّق في اختيار من يتلقّى عليه العلْم، وإن كان هذا صعباً في هذا العصر، حيث المناهج والأساتذة تُفرض على الطّلاب، غير أنّ التدقيق وحُسن الاختيار يجِبان على مُحبِّي الثقافة وطالبي المعرفة من غير الطلاب أن يُحسنوا اختيار الكتاب الذي يقرؤونه، والكاتب الذي يقرؤون له، لأن تشكيل الفكر والثقافة من أهمّ الأشياء؛ ولذلك وجّه الله موسى لعبْد آتاه رحمة وعلماً خاصاً.
وفيها أيضاً إشارة إلى رحمة العلماء وترفّقهم بطلاّب العلْم، وعدم القسْوة عليهم، قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا}؛ فالعالِم المتلقَّى عنه يجب أن يكون عبداً لله، فلا يكون عبداً لفكْر علْماني مُلحد أو لثقافة منتحلة تروِّج للفنّ الهابط والأدب الماجن، أو أن يتناول أحكام الشريعة ونصوصها بالهمز واللّمز. قال تعالى في وصف معالم شخصيّة عالِم موسى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً}.
رابعاً: على طالب العلْم أن يتلطّف في مخاطبة أستاذه؛ يُؤخذ ذلك من قول موسى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}.