بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثالث

(ثقافة الدّاعية)

1 - ثقافة الدّاعية

ضرورة الثّقافة وأهمِّيّتها للدّعاة إلى الله

الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وما يذّكّر إلاّ أولو الألباب. والصلاة والسلام على أشرف الخلْق وخاتم الرسل، آتاه الله مِن لدُنه علْماً، وكان فضل الله عليه عظيماً، وعلى آله وأصحابه، الذين تفقّهوا في دين الله، فكانوا هداةً صالحين، ولدعوة الله مُبلِّغين مُخلصين. أما بعد:

الدّعوة إلى الله نظام حياة، ومنهج دِين، ورسالة أمّة، تقوم على الفهم الصحيح والفقه الدقيق، والفكر المستنير، والثقافة الواسعة، والبصيرة الوضاحة، والحِكمة والموعظة الحسنة؛ قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

ولن يقوم بهذا الأمر العظيم والشّرف الرفيع إلاّ إنسان ذو ملكات خاصة، ومواهب متميّزة، وعلْم غزير، وثقافة متنوّعة، تُمكِّنه من استمالة القلوب، والتأثير على النفوس، وتحريك العواطف والمشاعر واستنهاض الهمم، وتقوية العزائم، وإنارة البصائر، والتعريف بأصول الدِّين وشرائعه ونُظمه؛ ولذلك فإنّ الإعداد العلْمي أحَد مقومات نجاح الدّعاة إلى الله.

وهو إعداد ليس بالأمر السّهل أو الشيء الهيِّن، كما ينظر إليه البعض خطأً فيعتقد أنه يأتي في نهاية الأوْلويّات وفي مؤخّرة التّخصصّات، حيث يدفع إلى كلّيّات الدّعوة ومعاهدها مَن حال مجموعهم في الدرجات دون دخول ما يريدون مِن كلّيّات ومعاهد يُسمّونها: كلِّيّات القمّة، فتوصد أبوابها في وجه أصحاب المجاميع المتدنِّية، فيدخلون كلّية الدّعوة وأصول الدِّين مُرغَمين ولِتخصّصها مُكرَهين. وحينما يتخرّجون، يُدفع بهم إلى ميدان الدّعوة إلى الله وهم فيه زاهدون وعن القيام بالدّعوة إلى الله مُعرِضين، فتخلو الساحة من رجالات الدّعوة وفُرسانها. وينزل إلى الميدان كلّ شارد ووارد ممّن هم فقراء في الثقافة، قليلون في العلْم، لا يُحسنون استمالة القلوب ولا التّأثير على النفوس. وتصبح الدّعوة إلى الله بالنسبة لهم وظيفة لا رسالة، وعادة لا عبادة، ممّا تنعكس آثارُه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015