دين الله أفواجاً، وترك -صلى الله عليه وسلم- أمّته على الحنيفيّة السمحاء والمحجّة البيضاء، ليْلُها كنهارها لا يَزيغ عنها إلاّ هالك.
ونزل قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}. وتُوِّج القرآن الكريم بآخر سورة نزلت، وهي سورة (النصر)، قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}.
وما تمّ ذلك النّصر والفتح إلاّ لِكوْن الدّعوة إلى الله تُلامِس الفِطَر النّقيّة والعقول السليمة، من خلال الدلائل الواضحة التي لا يَسَع البشَرُ إزاء جلائها وظهورها سوى الدّخول في الإسلام مُختارِين طائعين؛ قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وفي هذه المحاضرة، سوف نوضّح الأساس والمنهج الذي مِن خلالِه انتشر الإسلام، وارتفع لواؤه في العالَمين، ونضع هذا المنهج أمام الدّارسين والدّعاة، والذي جاء في قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وسوف تتضمّن هذه المحاضرة العناصر التالية:
العنصر الأول: التّعريف ببعض الكلمات التي لها صلة بالدعوة إلى الله على بصيرة، لكي نتعرف على أسس ومقوّمات الدّعوة على بصيرة واضحة وأدلّة ناصعة، كما جاءت في القرآن الكريم. ينبغي علينا أن نرجع لمصادر اللغة العربية نسترشد بها في تفهّم معاني الكلمات الآتية: