وحينما أطلّوا بوجوههم، ولوَوْا بألسنتهم عنق الحقيقة فنالوا من ثوابت الأمّة، وهمزوا ولمزوا في أشرف مقدّساتها وأعظم مصادرها: القرآن والسّنّة، وأعلنوا في وقاحةٍ وعدم استحياءٍ: أنّ الإسلام إرهاب والتّديّن رجعيّةٌ، والفضيلة تخلُّف، والتزام آداب الشرع تزمّت وتشدّد. وأمعنوا في الكذب والإفك، فزعموا -قاتَلَهم الله-: أنّ الإلحاد والعلمانية تحرّراً، وأنّ الانحلال الخُلُقي تقدّماً، وأنّ تبرّج المرأة واختلاطها وسفورها مدنيّةٌ، وأنّ صناعة الكذب في ميادين السياسة وفي العلاقات بين الأفراد والجماعات والدّول وسائلُ حضارية مشروعة.
وقد قال الله في أمثال هؤلاء: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}.
إنّ فكر هؤلاء الأصاغر خيانة، خاصّة إذا صدّقهم الناس؛ فقد روى أبو داود، عن سفيان بن أسد الحضرمي، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كَبُرَتْ خيانة أنْ تُحدِّث أخاك حديثاً هو لك به مُصدِّق، وأنت له به كاذب)).
وقد جاء القرآن بآيات كثيرة تفْضح مَن يزعم الإصلاح وهو يُضمر ويُخطِّط لإفساد المجتمع. وتمزِّق الآياتُ الأردية والأقنعة التي يختفون وراءها. وحديث القرآن الكريم عن هؤلاء في أكثر من موضع: إعجازٌ له، وإشارة إلى أنّ أفاعي العقول والفكر والنفاق لن تخلُوَ منهم المجتمعات الإنسانية في كل زمان ومكان إلى يوم الدين. ومما جاء في ذلك: قوله تعالى في أول سورة (البقرة) التي تتصدّر