ولقد رفع الله العتاب والحساب والعقاب على النَّاس، قبل إرسال الرُّسل وإنزال الكتب، قال تعالى:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15].
قال الإمام ابن كثير:
"إخبارٌ عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحداً، إلا بعد قيام الحجة عليه، بإرسال الرسل إليه، كقوله تعالى:
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ * إِنَّ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:6 - 11] ".
وإنَّه ممَّا ينبغي ملاحظته: أنَّ دين الله المنزل على جميع رسله، من لدن آدم -عليه السلام- إلى محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- هو الإسلام، الَّذي جرى على ألسنتهم جميعاً، وإن تعدَّدت الكتب واختلفت الشرائع من نبيٍّ لآخر، فالإطار الَّذي يضمُّهم ويجمع بينهم جميعاً، هو الإسلام وأنَّ القاسم المشترك لجميع الكتب السماويَّة، أنَّها وحيٌ من عند الله، قال تعالى:
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران:19].
فاليهوديَّة والنصرانيَّة ليستا بدينٍ سماويٍّ، ولا يصحُّ أن يُطلق عليهما هذا الاسم؛ لأنَّ الدِّين السَّماويَّ الَّذي عرفه البشر، ونزلت به الكتب، وأُرسل عليه الرُّسل هو الإسلام، فالديانات اليهوديَّة والنصرانيَّة أوالمسيحيَّة، لم يُسمِّها الله بهذه الأسماء، ولم يطلق هذه الأسماءَ أيٌّ من موسى وعيسى -عليهما السلام-، وإنما أطلقا كلمة الإسلام، قال -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-:
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس:84].