إنها فعْلاً أسرة صابرة بالفطرة، لا تتصنّع الصبر ولا تتجمّل بالفداء. لقد نجحوا جميعاً في امتحان الصبر والرضى بالقضاء، فكانت المكافأة: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.
ثالثاً: موسى -عليه السلام-.
وهو من أنبياء بني إسرائيل، ومِن أولي العزم من الرّسل الذين خصّهم الله بالعزم القويّ، والصبر الجميل، والتّحمّل الشديد. وحياته -عليه السلام- فيها من العِبَر والفوائد ممّا يضيق المقام عن حصرها، غير أنّ جانب الصّبر في دعوته ظاهر بارز، كشأن إخوانه من الأنبياء والمرسلين. ولقد تعدّدت مراحل حياته منذ ولادته والتقاط آل فرعون له.
وفي هذه المرحلة تبرز صورة أمّه والتي أوحى الله إليها أن تُلقي به في البحر. ويربط -سبحانه وتعالى- على قلبها، فتصبر على قضاء ربّها، وتطمئنّ إلى حسْن تدبيره وحفظه تعالى لموسى، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
إنها الأمومة الصابرة التي جمعَت بين هاجر، وأمّ موسى، ومريم أمّ عيسى. ثم تتتابع رحلة حياته حينما خرج من مصر، وصبر على آلام الغرية.
وتتجلى المواقف الإيمانية التي تتّسم بالصبر في دعوته لفرعون، وصبره على ما لقيه من بني إسرائيل أثناء رحلة الخروج من مصر. ولقد أمَرهم بالاستعانة بالله والصبر والتقوى، قال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.