يسعد بالقرب من الله، فيُفلح إذا زكَّاه، وهو الَّذي يخيب ويشقى إذا دنَّسه ودسَّاه، وهو المُطيع بالحقيقة لله، وإنَّما الَّذي ينتشرُ على الجوارح من العبادات أنوارُه، وهو العاصي المتمرِّد على الله. وإنَّما السَّاري إلى الأعضاءِ من الفواحش آثارُه، وبإظلامِه واستنارتِه تظهر محاسنُ الظَّاهر ومساوِؤه، إذ إنَّ كلَّ إناءٍ ينضح بما فيه، وهو الَّذي إذا عرفه الإنسانُ فقد عرف نفسَه، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربَّه، وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسَه، ومن جَهِلَ نفسَه فقد جهل ربه".

وإنَّ من أسرار الخلقِ وبديع الصُّنع، أنَّ الله -سبحانه وتعالى- أودع في الإنسان قوَّتَين مدرِكتين:

الأولى: قوَّةٌ مدركةٌ ظاهرةٌ واعيةٌ واضحةٌ.

والثانية: قوَّةٌ مدركةُ باطنةٌ مُبْهَمة.

فالقوَّة الأولى: العقلُ الَّذي يُدرك ما تنقلُه إليه الحواسُّ من العالم الخارجيِّ المُحيط بالإنسان، ويتأثَّر بعوامل كثيرة، كالعلم والتَّجارب والعادات والتَّقاليد وشتَّى جوانب الحياة، وقد أشرنا إلى ذلك في المحاضرة السابقة عن المنهج العقليِّ.

أمَّا القوَّة الثانية المدركة: فهي قوَّة الإدراك الشُّعوريَّة الوجدانيَّة داخل النَّفس البشريَّة، التي تُدرَك بها الأمور الباطنة، كالألم والجوع والعطش والفرح والحزن، وندرك بها الرِّضا والقَبول، والارتياح لشيءٍ ما، وندرك بها النُّفور والرَّفض لشيءٍ آخر، وهذا إدراكٌ باطنيٌّ مبهم، نَقبل به الشيء أو نرفضه وجداناً وشعوراً، وقد لا يكون لدينا مسوِّغٌ واضح لهذا القَبول أو الرفض، سوى الشعور بالارتياح أو الاستياء.

ثانياً: اختلاف العواطف والتفاوت بينها:

إنَّ من سنن الله في الخلق، اختلافَهم في العقول، وتفاوتَهم في المشاعر والعواطف، قال تعالى:

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:117 - 118].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015