هذا التَّفضيل وذلكم التَّكريم، ليس لكون الإنسان يأكل أو يشرب أو يتناسل، فهذه صفات يشترك فيها مع ما يدبُّ معه على هذه الأرض، بل هو أقلُّ تزوُّداً وأضعفُ نسلاً من كثير من هذه الدَّوابِّ، وإنَّما شرف بما وهبه الله من عقل يفكر به، ولسانٍ ينطق به، وبما أودعه بين حنايا نفسه من مَلَكَاتٍ جعلته أهلاً وجديراً بما خلقه الله من أجله وكلَّفه به، وتتَّضح مكانة العقل في الإسلام، من خلال الأمور التالية:
1 - جعل الإسلامُ العقلَ من ضروريات الإنسان الخمسة، التي يجب المحافظة عليها، وهي: الدِّين، النَّفس، العقل، النَّسل، المال.
وشرع من الأحكام والحدود، ما يحمي العقل ويصونُه من التَّلَف، فحرمت الخمر وكل مسكر من مشروب أو مأكول يخامر العقل ويغطيه، وشرع الإسلام حدَّ شارب الخمر، صيانةً له وحفظاً.
2 - العقل يسمو بالإنسان على الملائكة:
إذ إنَّ الله خلق الملائكة بعقل دون شهوة، وخلق الدَّوابَّ بشهوة من غير عقل، أمَّا الإنسان فهو مُرَكَّبٌ من عقل وشهوة، فمَن ارتقى مِن البشر بعقله وتغلَّب على شهواته، كان عند الله أفضلَ من الملائكة، بدليل أنَّ الله يباهي بعبده الصَّائم الملائكةَ، كما ذكر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أمَّا من تغلَّبت شهوتُه على عقله، فإنَّه ينزل إلى مرتبةٍ أقلَّ من الحيوان.
3 - الأحكام الشرعيَّة في الإسلام، مرتبطةٌ ببلوغ الإنسان واكتمال عقله، وتسقُط عنه التكاليف الشرعيَّة، إذا ما زال عقله بمرض أو جنون أو إغماء أو نوم، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)).