كما أشار الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أنَّ القلب عليه مدار سعادة الإنسان أو شقاؤه، فقال: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) رواه البخاري.
ممَّا سبق من هذه الآيات، يتبيَّن أنَّ العقل غريزة فطريَّة، يولد الإنسان مزوَّداً بها تنمو شيئاً فشيئاً، ومحل هذه الغريزة الفطرية إنَّما هو القلب.
فمن مفهوم الآيات السابقة، يتَّضح أنَّ العقل مكانُه القلب، بينما الطِّبُّ يذكر أنَّ العقل مركزُه الدِّماغ.
وحينما يستخدم القرآنُ الكريمُ القلبَ في أداء وظيفة العقل، وهي التَّفقُّه أو التَّدبُّر، أو يذكر العقل فيما يمتاز به القلب، فهو استخدامٌ مجازيٌّ لغرضٍ بلاغيٍّ، يعكس وجهاً من وجوه الإعجاز القرآنيِّ، ويوضح مدى الارتباط الوثيق بين ما يحتويه الدِّماغ من المخ، وبين ما يضمُّه الصدر من القلب، حيث إنَّ القلب يضخُّ الدَّمَ الذي يُغذِّي المخَّ عن طريق الأوردة والشَّرايين، وهذا هو الظاهر الملموس لبني البشر، من خلال وسائل الاكتشافات العلمية الحديثة، في مجال التَّشريح والطب، أمَّا عن خصائص كلٍّ منهما، وما ينفرد به أحدُهما عن الآخر، وهل العقل مركزه المخُّ أو القلب؟ فهذا سرٌّ من أسرار القدرة الإلهية، التي أودعها الخالق -سبحانه وتعالى- في جسم الإنسان، كما هو الأمر في شأن الرُّوح، قال تعالى:
{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوح قُلِ الرُّوح مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً} [الإسراء:85].
فكما أنَّ الرُّوح َ سرٌّ إلهيٌّ في الجسد، لم يستطِع العلم الحديث، رغم إمكاناته الهائلة، أن يرصد حركتها، ولن يستطيع ذلك، فكذلك ما يتعلَّق بمكان تواجد العقل، فهذا من آيات الخلق المُبهرة، ودلائل التَّكوين المعجزة، قال تعالى:
{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].