فالتمايز في العقول وفي السلوك، والتّباين الشديد في المعتقَدات والمذاهب والآراء، يوجب على مَن يَنزل ساحة الدّعوة إلى الله، ويتشرّف بحمْل لوائها، أن يتّصف بالصبر والحِلم وسعة الصدر؛ فلا يضيق صدراً بمَن خالَفه، ولا يحزن لِمن هاجمه بالقول. ولْيحبِسْ آلامَه حينما يعتدي عليه أحد. وينبغي ألاّ يتسرّب اليأس إلى نفسه حينما يجد صدوداً أو إعراضاً. وينبغي أن لا يعرف العجزُ والقنوط والفشل طريقاً إلى قلبه، حينما يُضيَّق الخناق عليه، وتُصادَر كلمتُه ويُقطَع رزقُه.
فالابتلاء والاختبار والامتحان كان وسيظل هو طريق الدّعاة إلى الله، قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
ورسُل الله هم النموذج الفريد والقدوة الحسنة والأسوة الطّيِّبة، في التحمّل والتّحلّي بالصبر، والتّحمّل لأعباء الرسالة ومشاقّ الدّعوة، ومواجهة الموانع، والإعراض بالحِلم وسعة الصدر، ولين الجانب وخفْض الجناح. وسوف نتابع رحلة الأنبياء والمرسلين في رياض الصبر والمصابرة، ونرقُب خطَى سيْرهم في تحمّلهم لكل أنواع العنت، وجميع ضروب المتاعب والآلام، بنفْس سمحة، وقلب رؤوف رحيم، لنضعها أمام أعين الدّعاة ليقتدوا بهم ويسيروا على دربهم في التّخلّق بفضيلة الصبر الذي وصفه -صلى الله عليه وسلم- بـ"الضياء"، ووصفه مرة أخرى بأنه: "نصف الإيمان". وهو السّمة المشتركة لجميع الأنبياء والمرسلين، والصفة الغالبة لمن يسلك طريق الدّعوة إلى الله.
فعن أبي عُبيد الله خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: ((شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسِّد بُردة له في ظلّ الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ فقال: قد كان ممّن قبلكم يُؤخذ الرّجُل، فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها. ثم يُؤتى بالمنشار، فيوضع