رابعاً: أديان العرب:
على الرَّغم من المكانة الَّتي كانت تحظى بها مكة المكرمة في نفوس قريش خاصة والعرب عامة، إلا أنَّهم انحرفوا بعقائدهم، فعبدوا الأصنام وقدَّسوها، واتخذوها آلهة تعبد من دون الله، وقد بالغوا في ذلك فأحاطوا الكعبة بثلاثمائة وستين صنماً.
ومن أصنامهم "هبل" وهو أول صنم أقيم في الكعبة، بعد أن أحضره عمرو بن لُحي من "مآب"، ونصبه على البئر الَّذي حفره إبراهيم -عليه السلام- في جوف الكعبة، وأمر النَّاس بعبادته وكانوا ينادونه "يا إلهنا".
هذا بجانب تعظيمهم "لمناة"، وهي منصوبة ناحية البحر عند المشلَّل، وكان الأوس والخزرج أكثرَ النَّاس تقديساً لها، وكذلك صنم اللات هو محلُّ تقديس وعبادة أهل الطَّائف، أما العُزَّى فهي شجرةٌ بوادي نخلةَ بين مكَّة والطَّائف، وقد اتَّخذت كلُّ قبيلة صنماً تختصُّ به وتعبده، فاتَّخذت هُذيل سواعاً، وكلبٌ وداً، وأنعم أهل جرش اتَّخذت يغوث، وحمير اتَّخذت نسراً ... إلخ ما ذكره ابن هشام.
وقد عاب القرآن انحراف عقولهم وفساد عقائدهم، فقال تعالى:
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:19 - 23].
وأشار القرآن الكريم إلى أنَّ عبادة الأصنام لم تكن حدثاً أحدثه العرب وحدهم، بل إنَّ عبادتها وتعظيمَها ضاربٌ في أعماق الزَّمن، ممتدٌّ إلى جذور التَّاريخ، منذ عهد نوح -عليه السَّلام-، حيث ارتبط قومُه بعبادتها، وكانت سببَ هلاكهم، فذكر القرآن