وقد استخلص من ذلك بعض الباحثين أن الالتزام الخلقي الناتج عن الإيمان تكون له دومًا مصادره أو روافده التي تزكيه وتزيد من عمقه وثباته، سواء في مجال الإقدام على الخير أو في مجال الابتعاد عن الشر، وكلاهما لازمٌ للآخر حسب ما تقضي بذلك طبيعة الإيمان. هذه هي علاقة الأخلاق بالعقيدة.

علاقة الأخلاق بالعبادة

أما علاقة الأخلاق بالعبادة؛ فقد بيّنها الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- حيث قال في مقدمة كتابه (خلق المسلم): لقد حدَّد رسول الإسلام الغاية الأولى من بعثته والمنهاج المبين في دعوته بقوله: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، فكأن الرسالة التي خطَّت مجراها في تاريخ الحياة وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في مدِّ شعاعها وجمع الناس حولها، كأن هذه الرسالة لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم حتى يسعوا إليها على بصيرة. والعبادات التي شُرعت واعتبرت أركانًا في الإيمان به ليست طقوسًا مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة وحركات لا معنى لها، كلا كلا، فالفرائض الذي ألزم بها كل منتسب إليه هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة وأن يظلَّ مستمسك بهذه الأخلاق مهما تغيَّرت أمامه الظروف، إنها أشبه بالتمارين الرياضية التي يُقبل الإنسان عليها بشغف ملتمسًا من المداومة عليها عافية البدن وسلامة الحياة.

والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق؛ فالصلاة الواجبة عندما أمر الله تعالى بها أبان الحكمة من إقامتها فقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45)، فالإبعاد عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015