له، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركنًا أساسيًّا من أركانه.
إن هذه الأخلاق الإيمانية هي وجه من الوجوه التي يتفاضل فيها الناس فيما يتعلق بزيادة الإيمان ونقصانه؛ ولذلك يقول -رحمه الله-: من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتوكل عليه والإخلاص له، كما يتفاضلون في سلامة القلوب من الرياء والكبر والعجب والرحمة للخلق والنصح لهم ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانية، ومصداق هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا)).
ثم يبين -رحمه الله- أن الإيمان هو مصدر الأخلاق في الإسلام، فيقول -رحمه الله-: لما كانت الأخلاق من الإيمان بهذه المثابة كان الإيمان هو مصدر الإلزام الخلقي، بمعنى: أن الإيمان له قوته الإيجابية التي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها، وأن القوة الإيمانية تترك بصماتها على اتجاهات السلوك الإنساني، ولا سيما في مجال العلاقات الإنسانية، يقول الله -تبارك وتعالى- في بيان حقيقة الإيمان: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال: 2 - 4) فلقد نصَّت هذه الآيات على خمس صفات للمؤمن الحق، وهذه الخمس -كما يقول ابن تيمية- تتضمن ما عداها، فإنه سبحانه ذكر وجل القلوب إذا ذكر الله، وزيادة الإيمان إذا تليت الآيات، مع التوكل على الله وإقام الصلاة والإنفاق في سبيل الله، فكان هذا مستلزمًا للباقي؛ لأن وجل القلب عند ذكر الله يقتضي خشيته والخوف منه، وإذا كان وجل القلب من ذكر الله يتضمن خشيته ومخافته، فذلك يدعو صاحبه إلى فعل المأمور وترك المحظور.