والصحيح في تفسيرها أن هذا عام في جميع مقاماته في الحج من الطواف وركعتيه، والسعي والوقوف بالمشاعر، ورمي الجمار، والهدي، وتوابع ذلك. ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يقول في كل مشعر من مشعر الحج: ((خذوا عني مناسككم)).

فهو تذكير بحال إبراهيم الخليل والمصطفين من أهل بيته، وتذكير بحال سيد المرسلين وإمامهم ومقاماته في الحج التي هي أجل المقامات، وهذا التذكير أعلى أنواع التذكيرات؛ فإنه تذكير بأحوال عظماء الرسل إبراهيم، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- ومآثرهم الجليلة، وتعبداتهم الجميلة. والمتذكر بذلك مؤمن بالرسل معظم لهم، متأثر بمقاماتهم السامية، مقتضيًا بآثارهم الحميدة، ذاكرٌ لمناقبهم وفضائلهم فيزداد به العبد إيمانًا ويقينًا.

كما أن الحج شُرع لما فيه من ذكر الله الذي به تطمئن القلوب، ويصل به العبد إلى أكمل مطلوب.

ومن فوائد الحج: أن المسلمين يجتمعون في وقت واحد، وموضع واحد على عمل واحد، ويتصل بعضهم ببعض، ويتم التعاون والتعارف، ويكون وسيلة للسعي في التعرف المصالح المشتركة بين المسلمين والسعي في تحصيلها بحسب القدرة والإمكان، وبذلك تتحقق الوحدة الدينية، والأخوة الإيمانية، ويرتبط أقصى المسلمين بأدناهم، فيتفاهمون، ويتعارفون، ويتشاورون في كل ما يعود بنفعهم، وبذلك يكتسب العبد من الأصدقاء والأحباب ما هو أعظم المكاسب، ويستفيد بعضهم من بعض.

وأما توابع ذلك من المصالح الدنيوية بالتجارات والمكاسب الحاصلة في مواسم الحج، ومواضع النسك، فإنها تفوق العدّ، وكل هذا داخل في قول ربنا: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (الحج: 28). إنه لموسم عظيم لا يشبه شيء من مواسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015