الأقطار، كم أُنفقت فيه نفائس الأموال، وكم أتعبت في السعي إليه الأبدان، وكم حصل فيه شيء كثير من أصناف التعبدات، وكم أريقت في تلك المواضع العبرات، وكم أقيلت في العثرات، وغفرت الذنوب والسيئات، وكم فرجت فيه الكربات، وقضيت الحاجات، وكم ضجّ المسلمون فيه بالدعوات المستجابات، وكم تمتع فيه المحبون بالافتقار إلى رب السموات، وكم أسبغ الباري فيه عليهم من ألطاف ومواهب وكرامات، وكم عاد المسرفون على أنفسهم كيوم ولدتهم الأمهات، وكم حصل فيه من تعارف نافع واستفاد منه العبد من صديق صادق، وكم تبادلت فيه الآراء والمنافع المتنوعة، وكمّ تم للعبد فيه من مآب ومطالب متعددة، ولله الحمد والمنّة.
هذه هي أصول العبادات الصلاة والصيام والزكاة والحج هذه الشرائع المتقدم ذكرها، قد تبين أنها من أعظم الضرورات، وأنه لا غنى للخلق عنها للفوائد الجلية المترتبة عليها، والأضرار الكثيرة الناشئة عن فقدها، وأنها أعظم منن الله على عباده، وأعظم محاسن الدين الإسلامي، وأن كل دين خلا منها، وكل طريق فقدت منه؛ فإنه شر محض، وضرر صرف، وأنه إذا وجد خير في شخص أو طائفة من الناس؛ فانظر وتأمّل تجد بلا شك أصله ومنبعه مأخوذ من الدين الإسلامي، وإن غُيّرت صبغته، وسمي بغير اسمه، كما أنك لا تجد شرًّا ولا ضررًا إلا وجدت منبعه بمخالفة الدين الإسلامي، لا يشذّ عن هذا شيء، فالخير حيث كان الدين، والشر حيث فُقد الدين، والحمد لله الذي من علينا الإسلام، وشرح صدورنا له، وحبب إلينا الإيمان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.