وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الحج والعمرة ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وورد في فرضه وفضله وثوابه أحاديث كثيرة، وذلك لما فيه من المنافع العامة والخاصة، وقد بيَّن ربنا -سبحانه وتعالى- مجمل حكمه ومنافعه حيث قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (الحج: 27، 28) أي: منافع دينية واجتماعية ودنيوية، وقال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} (المائدة: 97)، فإن به تقوم أحوال المسلمين، ويقوم دينهم ودنياهم، فلولا وجود البيت الحرام في الأرض وعمارته بالحج والعمرة والتعبدات الأخرى؛ لآذن هذا العالم بالخراب.

ولهذا كان من أمارات الساعة واقترابها هدم البيت الحرام بعد عمارته وتركه بعد زيارته؛ فإن الحج مبني على المحبة والتوحيد الذي هو أصل الأصول كلها، فإن حقيقته استزارت المحبوب لأحبابه، وإيفادهم إليه؛ ليحظوا بالوصول إلى بيته، ويتمتعوا بالتذلل له والانكسار له في مواضع النسك، ويسألوه جميع ما يحتاجونه من أمور دينهم ودنياهم؛ فيجزل لهم من قراه ما لا يصفه الواصفون، وبذلك تتحقق محبتهم لله، ويظهر صدقهم بإنفاق نفائس أموالهم، وبذل مُهَجهم في الوصول إليه.

فإن أفضل ما بذلت في الأموال، وأتعبت فيه الأبدان، وأعظمه فائدة وعائدة ما كان في هذا السبيل، وما تُوسّل به إلى هذا العمل الجليل، ومع ذلك فقد وعدهم بإخلاف النفقات، والحصول على الثواب الجزيل والعواقب الحميدة.

ومن فوائد الحج: أن فيه تذكرة لحال الأنبياء والمرسلين، ومقامات الأصفياء المخلصين، كما قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: 125)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015