ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلًا، ويضل من يشاء ويقدر ويبتلي عدلًا، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله، وهو متعالٍ على الأضداد والأنداد، لا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه، ولا غالب لأمره، قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (السجدة: 13)، وقال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (المائدة: 48)، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (الحج: 14)، وقال -عز وجل-: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} (الأنعام: 125)؛ لذلك أدَّب الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بألا يجزم بفعل شيء غدًا، إلا أن يردَّه إلى مشيئة الله فقال -عز وجل-: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (الكهف: 23، 24).
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه السائل أو طُلبت إليه حاجة، قال اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء))، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يُصرّفه حيث يشاء))، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندًّا، قل: ما شاء الله وحده)).
المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله سبحانه هو خالق كل شيء لا خالق غيره، ولا شريك له في الخلق، كما قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء} (الزمر: 62)، وقال سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (غافر: 62)، وقال سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} (الأنعام: 102)، ومن الأشياء أعمال الناس، فأعمال الناس من خلق الله تعالى كما قال -عز وجل-: {واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.