وليس معنى القدر الإكراه والإجبار، ونفي قدرة الإنسان وقدرته ومشيئته، فللإنسان قدرته واختياره ومشيئته، قال الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان: 2، 3)، وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29)، وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29) وقال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (التكوير: 27، 28)، ولكن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب سبحانه، غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم لهم أبدًا، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون} (الأنبياء: 23).

قال الإمام الخطابي -رحمه الله-: قد يحسبك كثير من الناس أنّ معنى القضاء والقدر إجبار الله -سبحانه وتعالى- العبد، وقهره على ما قدّره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمون وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله -سبحانه وتعالى- بما يكون من اكتساب العبد وصدورها عن تقدير منه وخلق خيرها وشرها.

هذا؛ وإن للإيمان بالقدر فوائد: من فوائد الإيمان بالقدر العزم والقضاء على ما يختاره الإنسان ويريده، فالمسلم إذا استشار إخوانه واستخار ربه في أمر ما أراده، مضى في طريق ما يريد غير متردّد أبدًا؛ لأنه توكل على الله -سبحانه وتعالى- وقد علم أن كل شيء بقضاء الله تعالى وقدره، فهو المقدر للأشياء كلها.

ومن فوائد الإيمان بالقدر عدم الندم أو الحسرة على ما فات؛ فالمؤمن لا ينوح على الماضي بالتندم والتحسر؛ لأن ذلك لن يردّ عنه شيئًا مما فات، ولأنه إنما حصل على ما كتب الله له، ولا اعتراض على قدر الله ما دام قد وقع، ولكن له أن يعتبر حياته من الخطأ أو الذم في حديث: ((لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015