وإن كُنّا نؤمن بعموم الكتاب وأنه من عند الله؛ فنحن نؤمن بأن الله -تعالى- أنزل على موسى التوراة، وأنزل على عيسى الإنجيل، لكن لا نستطيع أن نجزم بشيء في التوراة، ولا في الإنجيل بأنه بنفسه كلام الله -عز وجل؛ لأن الله أخبرنا أنهم حرفوا وغيروا وبدلوا وزادوا ونقصوا.
أما القرآن الكريم فهو محفوظ بحفظ الله من التغيير والتبديل، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9)، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. (فصلت: 41، 42)، ومن يكفر بالقرآن فهو كافر بالله سبحانه، قال تعالى مخاطبًا نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} (البقرة: 99) أي: الخارجون عن الإيمان إلى الكفر وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} (البقرة: 89، 90).
ومن الإيمان بالقرآن الكريم اتباعه والعمل به، والتّحاكم إليه قال الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 121)، وللمفسرين في تأويل حق التلاوة أقوال:
أولها: أنهم تدبروه؛ فعملوا بموجبه حتى تمسكوا بأحكامه من حلال وحرام وغيرهما.
وثانيها: أنهم خضعوا عند تلاوته وخشعوا عند قراءته في صلاتهم وخلواتهم.
وثالثها: أنهم عملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابه، وتوقفوا فيما أشكل عليهم منه، وفوضوه إلى الله تعالى.
ورابعها: أنهم يقرءونه كما أنزل الله، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يتأولونه على غير حق.