والذي يمعن النظر في هذه النصوص يرى أنها تدل على أن وسطية الإسلام عامة جامعة شاملة للعقيدة والأحكام، والعبادات والمعاملات، والأخلاق، والعادات، والعواطف، وفي ذلك يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: ودين الله في الأرض، والسماء واحد، وهو دين الإسلام كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19)، وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3)، وهو بين الغلو، والتقصير، وبين التشبيه، والتعطيل، وبين الجبر، والقدر، وبين الأمن، والإياس.
ويقول ابن تيمية -رحمه الله-: "المسلمون وسط في أنبياء الله، ورسله، وعباده الصالحين لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى، ولم يجفوا كما جفت اليهود، وهم وسط في شرائع دين الله فلم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء، ويمحو ما شاء، ويثبت ما شاء كما قالته اليهود، ولا جوزوا لأكابر علمائهم، وعبادهم أن يغيروا دين الله فيأمروا بما شاءوا، وينهوا عما شاءوا كما يفعله النصارى، وهم كذلك، وسط في باب صفات الله تعالى فإن اليهود، وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق الناقصة، والنصارى، وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به.
وأما أهل السنة والجماعة فوسط في باب الأسماء، والصفات بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسماء الله تعالى وآياته، ويعطلون صفاته، وبين أهل التمثيل، والتشبيه الذين يضربون له الأمثال، ويشبهونه بالمخلوقات، وأما أهل السنة والجماعة؛ فيؤمنون بما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهم وسط في سائر أبواب السنة، ووسطيتهم فيها راجعة لتمسكهم بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين، والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين".