يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ})) (الأنعام: 153).
قال ابن القيم: "وهذا الصراط المستقيم الذي وصانا الله تعالى باتباعه هو الصراط الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهو قصد السبيل، وما خرج عنه؛ فهو من السبل الجائرة لكن الجور قد يكون جورًا عظيمًا عن الصراط، وقد يكون يسيرًا، وبين ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، وهذا كالطريق الحسي؛ فإن السالك قد يعدل عنه، ويجور جورًا فاحشًا، وقد يجور دون ذلك، فالميزان الذي تعرف به الاستقامة على الطريق، والجور عنه هو ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عليه، والجائر عنه إما مفرط ظالم أو مجتهد متأول أو مقلد جاهل، وكل ذلك قد نهى الله عنه فلم يبق إلا الاقتصاد، والاعتصام بالسنة، وعليهما مدار الدين.
وقد كثرت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في الأمر بالوسطية، والحث عليها، ومدح أهلها قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ولَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإسراء: 29)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67)، وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا واشْرَبُوا ولَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ولَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المائدة: 87، 88).
وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (الأعراف: 55)، وقال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ولَا تُخَافِتْ بِهَا وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (الإسراء: 110)، وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ويَدْعُونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا} (الأنبياء: 90).