فِي يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ -يعني: بأمثال هذه الحصى ارموا الجمرات- وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ))، وقال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وهُمْ يَحْمِلُونَ أوزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (الأنعام: 31)، وقد نهى الله تعالى عن طاعة هؤلاء، وأمر بمخالفتهم فقال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28).

فمتى ابتعد الإنسان عن الإفراط، والتفريط فقد اعتدل على أوسط الطريق، واستقام على الصراط المستقيم كما أمر الله حيث قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153)، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يسألوه في صلواتهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولَا الضَّالِّينَ} (الفاتحة: 6، 7) "فالمغضوب عليهم": الذين فرطوا، وقصروا تعلموا، ولم يعملوا، و"الضالون": الذين غلوا وأفرطوا، وتشددوا حتى ابتدعوا، و"الصراط المستقيم": الذي هدى الله إليه النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين هو العمل بالعلم في غير إفراط، ولا تفريط.

وقد أنعم الله تعالى على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بالهداية إلى هذا الصراط المستقيم؛ فكانوا بذلك أمة، وسطًا كما قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا ولَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا} (البقرة: 142، 143) فالوسطية: تعني اتباع الصراط المستقيم، والثبات عليه، والحذر من الميل إلى أحد جانبيه.

ولقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك مثلًا محسوسًا، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: ((كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطًّا، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015