أما القوانين، والمبادئ الوضعية التي شرعها الإنسان فإنها لا تظفر بهذا المقدار من الاحترام، والهيبة إذ ليس لها سلطان على النفوس، ولا تقوم على أساس من العقيدة والإيمان كما هو الحال بالنسبة للإسلام، ولهذا فإن النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك، وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون، وسلطان القضاء، ورأت في هذه المخالفة اتباعًا لأهوائها، وتحقيقًا لرغباتها.

إن القانون لا يكفي أن يكون صالحًا بل لا بد له من ضمانات تكفل حسن تطبيقه، ومن أول هذه الضمانات إيجاد ما يصل هذا القانون بنفوس الناس، ويحملهم على الرضا به، والانقياد له عن طواعية، واختيار، ولا يحقق مثل هذه الضمانة مثل الإسلام؛ لأنه أقام تشريعاته على أساس الإيمان بالله، واليوم الآخر، والإيمان بمحمد رسولًا لله عز وجل، وإن الالتزام الاختياري بهذه التشريعات، واحترامها هو مقتضى هذا الإيمان، لهذا كله نجد المؤمن الواعي البصير المتفهم للحقيقة يندفع بكليته، وينطلق من ذاته إلى تطبيق المنهج الرباني على نفسه، وعلى من يكون تحت ولايته لاعتقاده الجازم أن كمال شخصيته، وبناء إنسانيته، وإصلاح بني قومه لا يتم على الوجه اللائق إلا أن يأخذ ممن اختص بالكمال، والجلال، وينقاد إلى من تنزه عن النقص، والقصور، ويستسلم إلى من عرف بالعظمة، والإبداع ألا وهو الله -سبحانه وتعالى- وحده.

لذلك رأينا بعض المسلمين من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- يرتكب بعضهم مخالفة، ويقع فيما حرم الله -سبحانه وتعالى- عليه في السر دون أن يراه أحد، ولا يطلع عليه أحد فيأتي بنفسه النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعترف بين يديه بخطئه، ويطالب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يقيم عليه الحد الذي جعله الله تعالى عقوبة لهذه المخالفة كما فعل ماعز، والغامدية لما زنيا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015