يعلم أن أعداءه يتربصون به الدوائر، فلو أخبر أن الروم ستنتصر، ثم لم تنتصر لكان هذا مدخلًا لهم إلى تكذيبه، ورد دعوته. فمثل هذه الأنباء، والأخبار عما كان، وعما سيكون مما يدل على ربانية هذه الرسالة.
كما أن في القرآن الكريم إشارة إلى بعض العلوم الكونية، والإنسانية التي لم يكن لمحمد -صلى الله عليه وسلم- بها علم، كل ذلك يفيد إفادة قطعية أن القرآن كلام الله رب العالمين كما أن المصدر الثاني للإسلام هو السنة والسنة أيضًا وحي من الله -عز وجل- وإن لم تكن وحيًا صريحًا كالقرآن لكن الله تعالى قال عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3، 4)، وصرح ربنا -سبحانه وتعالى- بأنه نزل على نبيه السنة كما نزل عليه القرآن فقال عز وجل: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ وعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (النساء: 113)، والحكمة: هي السنة، وهكذا ثبتت لنا ربانية الإسلام، وأنه دين الله عز وجل وشرعه.
ويترتب على هذه الخاصية، وهي أن الإسلام رباني أي: من عند الله -عز وجل- وحده يترتب على كون الإسلام من عند الله كماله، وخلوه من معاني النقص، والجهل، والهوى، والظلم لسبب بسيط واضح هو أن صفات الصانع تظهر فيما يصنعه، ولما كان الله تعالى له الكمال المطلق في ذاته، وصفاته، وأفعاله، ويستحيل في حقه خلاف ذلك فإن أثر هذا الكمال يظهر فيما يشرعه من أحكام، ومناهج، وقواعد، وبالتالي لا بد أن يكون كاملًا، وهذا بخلاف ما يصنعه الإنسان، ويشرعه فإنه لا ينفك عن معاني النقص، والهوى، والجهل، والجور؛ لأن هذه المعاني لاصقة بالبشر، ويستحيل تجردهم عنها كل التجرد، وبالتالي تظهر هذه النقائص في القوانين، والشرائع التي يصنعونها.
ويكفينا هنا أن نذكر مثالًا واحدًا للتدليل على ما نقول: جاء الإسلام بمبدأ المساواة بين الناس في الحقوق، وأمام القانون بغض النظر عن اختلافهم في الجنس