كما أنّ مما يدل على أن القرآن كلام الله رب العالمين أن القرآن الكريم تضمن أخبارًا كثيرة عما كان، وعما سيكون مما لا سبيل لمحمد -صلى الله عليه وسلم- إلى معرفته إلا أن يكون وحيًا أوحاه الله -تبارك وتعالى- إليه، الله -سبحانه وتعالى- أخبرنا في القرآن الكريم عن نبأ آدم عليه السلام، وما كان بينه، وبين إبليس في الجنة قبل أن ينزلا إلى الأرض، ثم أخبرنا بما كان من بني آدم بعد نزولهم في الأرض مما سبق حياة محمد -صلى الله عليه وسلم- وكل هذا ما كان محمد ليعلمه إلا أن يكون وحيًا أوحاه الله إليه، ولذلك نرى الله -سبحانه وتعالى- كثيرًا ما يعقب على القصص القرآني بالإشارة إلى أنه وحي الله إلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- لما قص الله تعالى في سورة "هود" قصة نوح -عليه السلام- مع قومه قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ ولَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود: 49).

ولما قص عليه قصة يوسف -عليه السلام- وإخوته قال: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ومَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وهُمْ يَمْكُرُونَ} (يوسف: 102)، ولما قص عليه قصة مريم -عليها السلام- وقصة زكريا عليه السلام مع مريم قال: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ومَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ومَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} (آل عمران: 44). فإخبار القرآن بهذا القصص الذي ما كان لمحمد -صلى الله عليه وسلم- أن يعلمه دليل على أن القرآن كلام الله رب العالمين.

كما أن في القرآن إخبارًا ببعض ما سيكون مما لم يكن كما أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن انتصار الروم على الفرس بعد هزيمة الروم، وكان كما أخبر الله قال تعالى: {الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} (الروم: 1 - 4)، وما كان لمحمد -صلى الله عليه وسلم- أن يجرؤ على الإخبار بأن الروم ستغلب فارس في بضع سنين لو لم يكن متأكدًا مائة في المائة أن هذا شيء من الله أوحاه الله إليه فلا يمكن أن يكذب، ولا يمكن أن يخلف أبدًا؛ لأنه كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015