رحمة، ولم أبعث عذابًا، إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أو قال: أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)).
وهكذا رأى الصحابة -رضي الله عنهم- العفو، واقعًا عمليًّا في شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الداعية الأول إلى الله -عز وجل- فأحبوا العفو، وتخلقوا به، ومع ذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رغبهم في العفو، وحثهم عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا)). كثيرًا ما يؤذى الإنسان، ويضطهد، وتحدثه نفسه بالعفو فيأتيه الشيطان، ويزين له أن هذا العفو ضعف، وأن الخصم لن يكف عن أذاك، ولن يكف عن الاعتداء عليك، والأولى لك أن تنتقم، والأولى لك أن تثأر، وهكذا، لا هذه ذلة، ومهانة أن تعفو لا ليست ذلة، ولا مهانة ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا هكذا يقول صلى الله عليه وسلم.
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: ((لقيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال فقال: يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك)).
وعن أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ثلاثة أقسم عليهن ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)). هكذا ربى النبي -صلى الله عليه، وسلم- أصحابه على العفو تربية عملية نظرية تربية نظرية بين لهم فضائل العفو، وحثهم عليه، ورغبهم فيه. تربية عملية أراهم العفو متمثلًا في شخصه -صلى الله عليه وسلم- عن كل من آذاه، وأساء إليه كما سمعنا بعض هذه الأمثلة، والنماذج في عفوه -صلى الله عليه وسلم. ولقد