قال: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} بين جزاء من كفر، ومن آمن فقال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وسَاءَتْ مُرْتَفَقًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (الكهف: 29، 30).
فالدعوة عرض لا فرض؛ فإذا أحسن الداعية عرض دعوته، واستخدم الأسلوب الهادئ، والكلمة الطيبة اللينة الرقيقة، وصل إلى قلوب الناس من أقصر الطرق وأقربها، واستجاب الناس لدعوته، ثم تأمل قوله تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى}، فهو يدعوه إلى التزكية، والتطهر، ولكنه لم يقل له: تعال أزكيك أو أطهرك، وإنما تزكي أنت نفسك أنا أدلك على طريقة التزكية، وأنت تزكي نفسك، ثم وأهديك إلى ربك فتخشى إلى ربك الذي رباك بنعمه الظاهرة والباطنة، وآتاك مما سألته، ومما لم تسأله مما يوجب عليك أن تذكر نعم الله، وتقابلها بالشكر، وهكذا يجب أن يكون الداعية رفيقًا، ولا يجوز أن يكون عنيفًا غليظا فإن الداعية إذا كان عنيفًا غليظًا فقد خالف أمر الذي يدعو إليه.
فالدعوة إلى الله، والله أمر الدعاة أن يكونوا هينين لينين أمرهم بالرفق، ونهاهم عن العنف؛ فإذا خالف الداعية فقد خالف أمر الله، وخالف أيضًا هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلقد كان -صلى الله عليه وسلم- هينًا لينًا سهلًا رفيقًا أحسن عرض دعوته فنجح في تبليغ رسالته حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، وامتن الله تعالى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بما وفقه له من الرفق، واللين فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
فإذا أعطي الداعية الرفق فقد أعطي مفاتيح النجاح في دعوته، وتبليغ رسالته، وإذا تخلى الداعية عن الرفق، وتحلى بالعنف؛ ففشل في دعوته فلا يلومن إلا نفسه، ولذلك لما بعث نستور صاحبيه إلى الملك يدعوان إلى دين عيسى -عليه السلام-