وهكذا علم النبي -صلى الله عليه، وسلم- أهل العلم كيف يرفقون بأهل الجهل حتى يعلموهم، وينتفعوا بعلمهم؟ فيتأكد على العالم أن يرفق بالجاهل، كما يتأكد على الداعية أن يرفق بالمدعوين؛ فيجب على الداعية أن يكون رفيقًا بالمدعوين؛ لأن الرفق هو أقرب الطرق إلى القلوب، وأهم أسباب القبول، ولذلك قال الله تعالى لموسى، وهارون عليهما السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشَى} (طه: 43، 44) {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} أي: هينًا لا عنف فيه، ولا صلابة، ولا غلظة، ولا فظاظة لعله يتذكر ما ينفعه فيأتيه أو يخشى ما يضره فيتركه، وقد فسر هذا القول اللين بقول الله تعالى في سورة "النازعات": {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (النازعات: 17 - 19). فالقول اللين المجمل في سورة "طه" {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} بينته آيات "النازعات": {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}.
وأحسن الطرق تفسير القرآن أن يفسر القرآن بالقرآن، والمتأمل في هذه الكلمات يرى الرفق، واللين ينسابان من كل حرف فيها فإنه أتى بحرف هل الذي يدل على العرض، والمشاورة {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} كأنه يعرض عليه، ويشاوره مما يفيد أنه يجب على الدعاة أن يعلموا أن الدعوة عرض لا فرض؛ عليك أيها الداعية أن تحسن عرض دعوتك، ولا يجوز أن تفرضها: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99)، والقاعدة العظيمة في الإسلام: "لا إكراه في الدين" قاعدة يجب على الدعاة أن يفقهوها، ويعوها لا إكراه في الدين فإنما الدعوة عرض لا فرض فاعرض دعوتك، ولا تفرضها فإن الله تعالى قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29) فقل الحق من ربكم، واترك الناس بعدها أحرارًا يختارون لأنفسهم ما شاءوا من الإيمان، والكفر فجزاء الجميع عند الله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (النحل: 111).
ولذلك لما