الحبوب، وثمار النخل، والأشجار كلها، والخضر ببرد يصيبها أو حر أو حرق آو آفة سماوية من جراد، ونحوه فهذه الأمور لا بد أن تقع؛ لأن العليم الخبير أخبر بها فوقعت كما أخبر، وإنما أخبر الله -سبحانه وتعالى- عباده بالبلاء قبل وقوعه لوجوه من الحكم:

أحدها: ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت؛ فيكون ذلك أبعد لهم من الجزع، وأسهل عليهم بعد الورود؛ لأن المصيبة المنتظرة المتوقعة تكون أخف على النفس ألمًا وشدة، ووجعًا من المصيبة المفاجئة غير المتوقعة.

ثانيها: أنهم إذا علموا أنه ستصل إليهم تلك المحنة اشتد خوفهم فيصير ذلك الخوف تعجيلًا للابتلاء فيستحقون به مزيد الثواب.

ثالثها: أن الكفار إذا شاهدوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مقيمين على دينهم مستقرين عليه، مع ما كانوا عليه من نهاية الضر والمحن والجوع يعلمون أن القوم إنما اختاروا هذا الدين لقطعهم بصحته، فيدعوهم ذلك إلى مزيد من التأمل في دلائله.

ومن المعلوم الظاهر أن التبع إذا عرفوا أن المتبوع في أعظم المحن بسبب المذهب الذي ينصره، ثم رأوه مع ذلك مصرًّا على ذلك المذهب كان ذلك أدعى إلى اتباعه مما إذا رأوه مرفه الحال لا كلفة عليه في ذلك المذهب.

رابعها: أنه تعالى أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه، ثم وجد فكان ذلك معجزة.

خامسها: أن من المنافقين من أظهر متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- طمعًا منه في المال، وسعة الرزق فإذا اختبره الله تعالى بنزول المحن؛ فعند ذلك يتميز المنافق عن الموافق؛ إلا أن المنافق إذا سمع ذلك نفر منه، وترك دينه فكان في هذا الاختبار هذه الفائدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015