كما أن الذين سبقوا الإسلام، واتبعوه -عليه الصلاة والسلام- لقوا من الأذى، والاضطهاد، والتعذيب على يد المشركين الكثير، والكثير فمعلوم من سيرته -صلى الله عليه وسلم- أنه بدأ دعوته سرًّا فكان أول من آمن به من النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الرجال أبو بكر فكان أبو بكر -رضي الله عنه- من رؤساء قريش، ومحط مشورتهم، وكان من أعف الناس، وكان كريمًا سخيًّا يبذل المال محببًا في قومه، ومع كل ذلك فإنه لم يسلم من قومه بل قيدوه، وحاولوا تعذيبه كذلك فعلوا بعثمان بن عفان، وسعد بن أبي، وقاص، وطلحة بن عبد الله، وخالد بن سعيد بن العاص، وما قصة بلال بخافية عن عامة المسلمين فضلًا عن دعاتهم فلقد كانوا يأخذونه في وسط النهار فيخرجون به إلى الصحراء يجردونه من ثيابه، ويضعونه على الرمال الساخنة في حر الظهيرة، ويضعون الصخور الثقيلة على بطنه فما يزالون يعذبونه، ولا يزيد على قوله: أحد أحد.
ولما اشتد الأذى، والاضطهاد، والتعذيب جاءوا يشكون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال: خباب -رضي الله عنه-: ((شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا فقال -صلى الله عليه وسلم-: قد كان من قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيفرق فرقتين ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه)).
فيا أيها الداعية ضح من أجل دعوتك، وجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فإن الجزاء عظيم يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} (الصف: 10 - 13).