بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة -رضي الله عنها- وهي جويرية فأقبلت تسعى، وثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى -صلى الله عليه وسلم- الصلاة قال: اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش، ثم سمى بعضهم، فقال: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد. قال عبد الله: لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وأتبع أصحاب القليب لعنة)).

وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((قال أبو جهل: هل يُعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرنّ وجهه في التراب قال: فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني، وبينه لخندقًا من نار، وهولًا، وأجنحة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا)) فأنزل الله عز وجل فيه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} (العلق: 6 - 12) إلى آخر السورة.

بل إنهم قد حاولوا قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا لشيء إلا لدعوتهم إلى الله سبحانه، فروى البخاري أيضًا عن عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص: ((أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ})) كل هذا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- صابر محتسب لم يرجع عن دعوته، ولم يفكر في هجر قومه، واعتزالهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015