والكد، والتعب قم فقد مضى وقت النوم، والراحة قم فتهيأ لهذا الأمر، واستعد له، وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه -صلى الله عليه وسلم- من دفء الفراش في البيت الهادئ، والحضن الدافئ لتدفع به في الخضم بين الزعازع، والأنواء بين الشد، والجذب في ضمائر الناس، وفي واقع الحياة سواء. إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، ولكنه يعيش صغيرًا، ويموت صغيرًا؛ فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير فما له، والنوم، وما له والراحة، وما له والفراش الدافئ، والعيش الهادئ، والمتاع المريح.

ومن ثم كان نصيب القادة من العناء، والبلاء مكافئًا لما أوتوا من مواهب، ولما أدوا من أعمال سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة))، فاختلاف أنصبة الناس من الجهد، والتبعة، والهموم الكبيرة يعود إلى طاقتهم في التحمل، والثبات، وسنة العظمة، والاعتداد هي التي أوحوت لقائد أمريكي أن يقول: "لا تسأل الله أن يخفف حملك، ولكن اسأل الله أن يقوي ظهرك".

إن خفة الحمل، وفراغ اليد، وقلة المبالاة صفات قد يظفر الأطفال منها بقسط كبير لكن مشاغل العيش، وهموم الواجب، ومرارة الكفاح، واستدامة السعد هي أخلاق الجاهدين البنائين في الحياة، والرجل القاعد في داره لا يصيبه غبار الطريق، والجندي الهارب من الميدان لا يشوكه سلاح، ولا يروعه زحف أما الذين أسهموا في معركة الحياة، وخاضوا غمارها فستغبرهم وعثاؤها، وتنالهم جراحاتها، ويدركهم من النصب، والكلال ما يدركهم، ومن هنا كرم الإنسان المنتصبين لأعراض الدنيا، وواسى المتعبين مواساة تطمئن بالهم، وتخفف آلامهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015