عن طريق الاستعلاء كسب يرجح جميع الآلام، وجميع البأساء، والضراء التي يعانيها المؤمنون المؤتمنون على راية الله، وأمانته، ودينه، وشريعته.
وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف، وهذا هو الطريق كما يصفه الله تعالى للجماعة المسلمة الأولى، وللجماعة المسلمة في كل جيل هذا هو الطريق إيمان، وجهاد، وتضحية، ومحنة، وابتلاء، وصبر، وثبات، وتوجه إلى الله وحده، ثم يجيء النصر في الدنيا، ثم يجيء النعيم في الآخرة في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ولقد أعلم الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أول ساعة كلفه فيها بالدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أول ساعة أوحى الله تعالى إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أعلمه أنه سيبذل الكثير من الجهد، وسيبذل الكثير من الوقت، وسيلقى الكثير من الاضطهاد، والتعذيب، وأن عليه -صلى الله عليه وسلم- أن يعد نفسه لذلك بما أرشده الله تعالى إليه ليمضي قدمًا في طريق دعوته غير عابئ، ولا مكترث بما يبذله من أجلها من تضحيات، ولا بما يصيبه بسببها من مصائب يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (المزمل: 1 - 10).
هكذا نادى الله -سبحانه وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- وقد رجع بعد أول لقاء معه مع جبريل -عليه السلام- إلى زوجه خديجة -رضي الله عنها- خائفًا مرتعشًا يقول: ((زملوني زملوني فزملوه فنام فجاءه الوحي: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ})) يا أيها الملفوف بلحافه المتغطي بثيابه يا أيها المزمل قم قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك قم للجهد، والنصب،