لا يصح للداعية أن يطاوع نفسه في العزلة مهما تزينت له المقاصد، والأسباب فصومعة الداعية ميدان دعوته، ومحرابه الذي يستنزل فيه من الله الهدى، والمعونة على فعل الخير إن الله يتجلى على العاملين في ميادينهم بأفضل مما يتجلى على العابدين في محاريبهم، وما أبعد الفرق بين من ينهض إلى الله يوم القيامة، ومعه أمة، ومن ينهض إلى الله -عز وجل- وليس معه أحد فيا أيها الداعية كن إيجابيًّا، ولا تكن سلبيًّا مهما كلفتك الإيجابية فإنه لا بد من التضحية من أجل هذا الدين سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلًا.
إنه لا بد لأصحاب العقيدة أن يدافعوا عن عقيدتهم، وأن يلقوا في سبيلها العنت، والألم، والشدة، والضر، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم تزعزهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة، والفتنة استحقوا نصر الله؛ لأنهم يومئذ أمناء على دين الله مأمونون على ما ائتمنوا عليه صالحون لصيانته، والزود عنه، واستحقوا الجنة؛ لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف، وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدعة، والرخاء فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وأرفع ما تكون عن عالم الطين يقول الله سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214).
هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها، وإلى سنته -سبحانه وتعالى- في تربية عباده المختارين الذين يكل إليهم رايته، وينوط بهم أمانته في الأرض، ومنهجه، وشريعته، وهو خطاب مضطرد لكل من يختار لهذا الدول العظيم، وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة، إن هذا السؤال