ويتركون ما فرض عليهم القيام به، ويقعون فيما حرم عليهم؛ فإنك أيها الداعية راع، وكل راع مسئول عن رعيته كما قال -صلى الله عليه وسلم- فإذا غبت عن رعيتك تخلت عن واجبها، وتعرضت لعذاب الله -سبحانه وتعالى- الذي يخشى أن يصيبك معهم كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25).

فلا يجوز للداعية أن يبتعد عن الناس، ويعتزلهم، ويترك دعوتهم، ولو كانت له نية حسنة في هذه العزلة، وهذا الابتعاد عن المجتمع إننا نقرأ في كتاب الله -عز وجل- أن عملًا كهذا سبق من موسى -عليه السلام- فأوقفه الله به موقف الحساب والمؤاخذة؛ لأن شعبا بأسره ضل بغياب موسى عنهم قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}، (طه: 83 - 86).

وإنا لنرى في سيرة سيد الدعاة محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يلجأ إلى هذه العزلة مرة واحدة مذ أمره الله -سبحانه وتعالى- بالدعوة، والتبليغ فقد ظل مع أصحابه، وأتباعه لا يفارقهم فهو معهم في المسجد، والسوق، والحقل، والبستان، وسائر مجالسهم، وكان يصحبهم في حروبهم، وموسم حجهم، ويزورهم في بيوتهم، ويعود مرضاهم، ويشيع جنازاتهم، ويجاملهم، ويواسيهم، ويشاطرهم ما ينزل بهم من خير وشر، وهو في كل ذلك مصدر رشاد، وهداية، وزاد لقلوبهم، وأرواحهم، ونور يمشون به إلى الله عز وجل نعم لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان، ولكن أين كان يعتكف إنه كان يعتكف في مسجده الشريف في وسط المدينة، والمسجد كما كان دار عبادتهم كان دار ندوتهم، ومجلس شوراهم، وما كان ينقطع دخول الناس فيه ليلًا، ولا نهارًا فهو اعتكاف أشبه بمخالطة، ومخالطة أشبه بعزلة، وهو على أي حال اعتكاف لا يعزله عن الناس، ولا يعزل الناس عنه، ولا يدع الرعية للسامري بدون راعٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015