لقد اتفق السلف -رضوان الله عليهم أجمعين- أن المؤمن لا يكون مهتديًا بمجرد إصلاحه نفسه إذا لم يهتم بإصلاح غيره، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويفهم منه أن هذا فرض لازم دائم، ولكن البعض قد يقول: إن فريضة الأمر والنهي، تسقط إذا فسد الناس فساد لا يرجى معه تأثير الوعظ، والإرشاد أو فسادًا يخشى إلى إيذاء الواعظ والمرشد، ولكن لا بد كما أمر الله -سبحانه وتعالى- من واجب القيام بالمعروف، والنهي عن المنكر فإذا قامت الدعاة بواجبهم، وكانوا إيجابيين في مجتمعهم لهم دورهم الفعال في الدعوة إلى الهدى، والصلاح فاستجاب المجتمع لهم فقد تحقق الخير للجميع، ونجوا جميعًا من عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.

وإذا قام الدعاة بواجبهم فلم يستجب لهم الناس فنزل العذاب أخذ الظالمين، ونجى الله -تبارك وتعالى- الدعاة الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر كما قال الله تعالى: {وَاسْْْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (الأعراف: 163 - 166)، ففي هذه الآيات المباركات من سورة الأعراف يأمر الله -سبحانه وتعالى- رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل اليهود عن هذه الواقعة المعلومة لهم في تاريخ أسلافهم، ولا يذكر اسم القرية التي كانت حاضرة البحر فهي معروفة للمخاطبين.

فأما الواقعة ذاتها؛ فقد كان أبطالها جماعة من بني إسرائيل يسكنون مدينة ساحلية، وكان بنو إسرائيل قد طلبوا أن يجعل لهم يوم راحة يتخذونه عيدًا للعبادة، ولا يشتغلون فيه بشئون المعاش فجعل لهم السبت، ثم كان الابتلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015