من صدقتم بالله، ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله، والكتاب الذي أنزل من قبل الزموا إصلاح أنفسكم، وتزكيتها بما شرعه الله لكم لا يضركم ضلال غيركم إذ اهتديتم إذ لا تذر وازرة وزر أخرى.
ومن أصول الهداية: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فإذًا لا تكونون مهتدين إلا إذا بلغتم دعوة الحق، والخير، وعلمتم الجاهلين ما أعطاكم الله تعالى من العلم، والدين، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر فإذا لا تكونون مهتدين إلا إذا قمتم بهذا الواجب فلا تكتموا الحق، والعلم كما كتمه من كان قبلكم فلعنهم الله على لسان أنبيائه، ولسان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (المائدة: 78)، ثم أعلمهم أنهم إلى الله راجعون {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: إليه وحده رجوعكم، ورجوع من ضل عما اهتديتم إليه فينبئكم عند الحساب بما كنتم تعملون في الدنيا، ويجزيكم به.
روى الإمام -رحمه الله- قال: "قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: 105)، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه))، وهكذا صحح الخليفة الأول -رضوان الله عليه- ما ترامى إلى وهم بعض الناس في زمانه من هذه الآية الكريمة، ونحن اليوم أحوج إلى هذا التصحيح؛ لأن القيام بتكاليف تغيير المنكر قد صارت أشق فما أيسر ما يلجأ الضعفاء إلى تأويل هذه الآية على النحو الذي يعفيهم من تعب الجهاد ومشاقه، ويريحهم من عنت الجهاد، وبلائه.