التعقيب تحريض جميعهم على الاستجابة المستلزم تحذيرهم من ضدها بتحذير المستجيبين من إعراض المعرضين؛ ليعلموا أنهم قد يلحقهم أذًى من جراء فعل غيرهم إذا هم لم يقوموا عوج قومهم؛ كي لا يحسبوا أن امتثالهم كافٍ إذا عصى دهماؤهم، فحذرهم فتنة تلحقهم فتعم الظالم وغيره.
فإن المسلمين إن لم يكونوا كلمة واحدة في الاستجابة لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم- دب بينهم الاختلاف، واضطربت أحوالهم، واختل نظام جماعتهم باختلاف الآراء، وذلك الحال هو المعبر عنه بالفتنة؛ فعلى عقلاء الأقوام، وأصحاب الأحلام منهم إذا رأوا دبيب الفساد في عامتهم أن يبادروا للسعي إلى بيان ما حل بالناس من الضلال في نفوسهم، وأن يكشفوا لهم ماهيته، وشبهته، وعواقبه، وأن يمنعوه منه بما أوتوه من الموعظة، والسلطان، ويزجروا المفسدين عن ذلك الفساد حتى يرتدعوا؛ فإن هم تركوا ذلك، وتوانوا فيه لم يلبس الفساد أن يسري في النفوس، وينتقل بالعدوى من واحد إلى غيره حتى يعم أو يكاد فيعسر اقتلاعه من النفوس، وذلك الاختلال يفسد على الصالحين صلاحهم، وينكد عليهم عيشهم على الرغم من صلاحهم، واستقامتهم فظهر أن الفتنة إذا حلت بقوم لا تصيب الظالم خاصة بل تعمه، والصالح.
فمن أجل ذلك، وجب اتقاؤها على الكل؛ لأن أضرار حلولها ستصيب جميعهم. عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها-: ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها ذات ليلة فزعًا فقال: سبحان الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث))، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (المائدة: 105) يعني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يا من رضيتم بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا، ورسولًا يا