سبحانه خلق لنا السمع والبصر والفؤاد؛ لنتفكر ونتأمَّل وننظر نظرة تَمْحِيص، ونلاحظ ما حولنا ثم نمحِّص ذلك بعقلنا وفؤادنا؛ لنستخدم ما سخره الله لنا أي: لنتربَّى تربية علمية على الملاحظة والمناقشة والاستنتاج والتفكير، فنجمع أكبر قسط من المعرفة والمخترعات، وحينئذٍ نظفر بميزة الزعامة على الإنسانية كما ظفر بها أسلافنا، ثم أضعناها؛ لأننا تركنا الاستفادة الحق من سمعنا وأبصارنا وأفئدتنا كما يريد الله منا.

ولم يكتفِ الإسلام بتكريم الإنسان وتفضيله وتمييزه على الكائنات، بل حمَّله مقابلة ذلك مسؤولية عظيمة، وكلَّفه بتكاليف كثيرة، ورتَّب عليها الجزاء الوفاق، حمَّله مسؤولية تطبيق شريعة الله، وتحقيق عبادته، تلك المسؤولية التي أبتْ سائر المخلوقات أن تحملها وأشفقت من حملها كما قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 72، 73)، وكما جعل الله تعالى للإنسان حُرّية وإرادة وقدرة على التمييز بين الخير والشر، كذلك جعله مجزئ يوم القيامة بما اختار لنفسه من الخير ومن الشر قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة: 7، 8).

وكذلك جعل الله تعالى الإنسان مسئولًا عن سمعه وبصره وفؤاده وجميع جوارحه، فلا يجوز له أن يستعملها إلا في الخير قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36)، وهذا الشعور بالمسئولية يربِّي في نفس الإنسان الوعي واليقظة الدائمة، والبعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015