ومما كرم الله تعالى به الإنسان أن جعله قادرًا على التمييز بين الخير والشر، فألهم الله تعالى النفس الإنسانية فجورها وتقواها، وغرس في جبلتها الاستعداد للخير والشر، وجعل عند الإنسان إرادة يستطيع بها أن يختار بين الطرق المؤدّية إلى الخير والسعادة، والطرق الموصلة إلى الشقاء، وبيَّن له أن هدفه في هذه الحياة أن يترفَّع بنفسه عن سبل الشر، وأن يزكي نفسه أي: ينمّيها ويطهرها ويسمو بها في وقت معًا نحو الفضيلة والاتصال بالله عز وجل، يقول الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 7 - 10).

ولعن الله -عز وجل- قومًا دعاهم غرورهم إلى أن يكذبوا بهذه الحقيقة، فزعموا أن النّفس الإنسانية لا تطغى فقال في تمام الآيات السابقة: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} (الشمس: 11 - 15)، فكان جزاء طغيانهم أن سوَّى الله بهم وبمدينتهم الأرض؛ لأنهم اختاروا طريق الشر ومعصية الله ورسوله.

ومما كرَّم الله به الإنسان وفضله أن وهبه القدرة على التعلم والمعرفة، وزوَّده بكل أدوات هذه القدرة يقول تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، (العلق: 3 - 5). ويقول سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (البقرة: 31، 32).

أما أدوات القدرة على التعلّم؛ فمنها السمع والبصر والفؤاد كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78)، فالسمع معناه إحراز المعرفة التي اكتسبها الآخرون، والبصر معناه: تنميتها بما يُضاف إليها من ثمرات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015