لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (الزمر: 7) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: 7 - 9).
ذكر الله -تبارك وتعالى- الإنسان بعنايته به وهو في ظلمات الرحم؛ ليثير عنده عاطفة العرفان بالجميل والشكر للخالق والخشوع لله، فكان من نتيجة هذه التربية القرآنية دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السجود ((سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين))، وفي رواية كان يقول: ((اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشقّ سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين)).
وفي مقابل ذلك كله بيَّن الإسلام للنوع البشري أنه ليس من الذّلة والمهانة والابتذال في درجة يتساوى مع الحيوان والجماد، وسائر المخلوقات فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)، وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} (الحج: 65). فقد رزق الله تعالى الإنسان قدرتنا جعله به يسيطر على ما حوله من الكائنات، وسخّرها الله له فمنعه من أن يذلّ نفسه لشيء منها، وجعله آمن من كل المخوف إزاء هذه الكائنات، بل أشعره بأنها طوع يديه، سخرها لمصلحته. وهذه خطوة تربوية ربانية ينشئ بها القرآن الكريم الإنسان على الشعور بالكرامة وعزة النفس. ويُشعره في الوقت ذاته بفضل الله، فإذا ركب شيئًا مما سخر الله له كالطائرة والسيارة ذكر قول الله تعالى {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (الزخرف: 13، 14).