إلا في أن يسجد للشمس والقمر والنجوم والنار، وما إليها من الموجودات التي يرى فيها شيئًا من القوة أو القدرة على ضرره أو نفعه، وقد عرض الإسلام الإنسان على حقيقته وبيَّن أصله ومميزاته، وما فُضل به ومهمته في الحياة وعلاقته بالكون، وقابليته للخير والشر.

أما حقيقة الإنسان وأصل خلقه: فترجع حقيقة الإنسان إلى أصلين: الأصل البعيد وهو الخِلقة الأولى من طين حين سوَّاه الله تعالى ونفخ فيه من روحه، والأصل الثاني: القريب وهو خلقه من نطفة، وقد بيَّن الله -تبارك وتعالى- هذين الأصلين في قوله: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 7 - 9).

وأوضح الله -سبحانه وتعالى- لنا كيف خلق آدم فقال عز وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} (الحجر: 28 - 30). وهكذا لفت القرآن الكريمُ نَظَر الإنسان على حقارة ذلك الماء الذي خُلق منه في رحم أمه: {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (السجدة: 8) حقير، {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (الطارق: 6، 7)، ولذلك قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} (يس: 77) فأرشد الله -تبارك وتعالى- الإنسان إلى أصل خلقه من ماء مهين، من ماء دافق، من نطفة إذ تمنى، أرشده ولفت نظره إلى هذا الأصل؛ ليندّد بغطرسة الإنسان، ويهذّب كبرياءه فيجعله متواضعًا واقعيًّا في حياته.

ثم بيَّن له عناية الله به في ظلمات الرحم حينما أنشأه جنينًا، ورباه حتى تمَّ خلقه: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015