وكررها، ونوَّع أساليب عرضها في مواطن عديدة لم يقصد مجرد المعرفة الثقافية، ولا مباراة الثقا فات والفلسفات الأخرى؛ ليثبت تفوقه المنطقي وقدرته البلاغية عليها فحسب، ولا قصد تدريب عقولنا على الحفظ والفهم، بل أراد أن تتحول هذه المعرفة إلى حركة فكرية وعاطفية، ثم إلى قوة دافعة لتحقيق مدلولها في عالم الواقع أي: لكي نحقق عبوديّتنا لله الذي ما جعل هذه الصور الكونية الرائعة إلا تذكرة لمن يخشى؛ حتى نتجه إلى العبادة والعمل الإسلامي المُثمر في إعمار الكون، وتحقيق عدل الله وشريعته في الحياة الإنسانية.
وأراد من عرضه آياته في الآفاق أن ترجع البشرية إلى ربها، وإلى منهجه الذي أراد لها، وإلى الحياة الرفيعة الكريمة التي تتفق مع الكرامة التي كتبها الله للإنسان، والتي تحققت في فترة من فترات التاريخ على ضوء هذا التصور عندما استحال واقعًا في الأرض يتمثَّل في أمة تقود البشرية إلى الخير والصلاح والنماء.
ونبدأ أولًا: بنظرة الإسلام إلى الإنسان فنقول: من الثابت في علم النفس أن نظرة الإنسان إلى نفسه من أقوى المؤثرات في تربيته؛ لذلك قُدّمت هذه النظرة القرآنية إلى الإنسان، وما زال الإنسان منذ وجد على وجه الكرة الأرضية مأخوذًا بسوء الفهم لنفسه، يميل إلى جانب الإفراط حينًا؛ فيرى أنه أكبر وأعظم كائن في العالم، وينادي بذلك وقد امتلأ أنانية وغطرسة وكبرياء، كما نادى قوم عاد وقالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} (فصلت: 15)، وكما نادى فرعون في قومه {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: 38)، ويربأ بنفسه أن يعتقد أنه مسئول أمام أحد ويتحول إلى متألّه يستهدف القهر والجبروت والبطش والظلم والشر والطغيان.
وأحيانًا يميلُ إلى جانب التفريط؛ فيظن أنه أدنى وأرذل كائن في العالم، فيطأطئ رأسه أمام كل شجر، أو حجر، أو نهر، أو جبل، أو حيوان، ولا يرى السلامة